ترددت كثيراً في كتابة ذكرياتي عن الغزو العراقي الغاشم على أرض بلادي الغاليه الكويت
نعم كنت هُناك في الثاني من أغسطس 1990 طفلة في السادسة من عمري
ما سأكتبه لم تتحدث عنه صفحات التاريخ ، لأن بكل بساطة هي عبارة عن ذكريات أي مواطن كويتي عاش بمرارة وحرقة في يوم أسوَدت سماء بلاده وبحره وأرضه بألغام وملوثات لم يسلم منها لا انسان ولا حيوان
ما سأكتبه هو فقط ذكريات مازالت راسخه في عقلي ولمن لم يعش في ذلك اليوم أتركك تعيش طفولتي التي عشتها في ذلك اليوم !
__________________
كنت ياهل حزتها ومثل كل يوم أنا وخواتي وابوي نقعد من الصبح عالساعة ست أو سبع ومن طبايعنا احنا أن نقعد مع أبوي معاه واهو يسقي الزرع بحديقتنا اللي الحين صارت مجرد مسافط لسياراتنا ..!!
أتذكر والله لي الحين كان ابوي يغني وهو يسقي الزرع لين ما سمعنا صوت هرنات من بعيد ووصلت عندنا قريب
سياره شفر بيضة فيها ريال ومره ..وقفة عندنا السيارة وتقول لنا المره بصوت عالي " صدام دش الكويت .. صدام دش الكويت ..!"
ما فهمت شقاعد تقولل حزتها كل اللي اتذكره انه ابوي هد الهوز وسيده دخل البيت واحنا رحنا وراه
________________
بالبيت
ابوي و امي قاعد يحطون صور بابا جابر بالجيس وملابس ابوي العسكريه بعد ..
فلوسنا حطيناهم تحت زولية غرفة امي وابوي .. الذهب حطيناهم بجيس وحفرنا حفره بحديقتنا !
________________
اليوم اللي بعده
مادري يمكن اليمعه كل اللي اتذكره ان انا وامي بالصالة اللي تحت وحاطة امي العباية على راسها والعراقيين قاعد يفتشون الصالة والمكتبة بعد شوي الا راحو فوق عند غرفة خواتي .. كانوا نايميين جان يقعدونهم وينزلونهم تحت .. اتذكر اختي تقول " شنو في " او شي جذيه واهي قاعده تنزل من الدري والا العراقي قاعد يتل اذونها .. !!
__________________
يوم يمعة الاهل
خالي يقول حق خالتي " لا تخافين نجاة عبدالله راح يرد ويرد معاه ناس "
ولد خالتي عبدالله كان عمره حزتها 14 سنه .. كان عنده جهاز نفس لاسلكي يتكلم مع رفيجه ..العراقيين حسبوا ان ولد خالتي مع المقاومة ..!!!
انا ما كنت هناك حزتها لمن خذوه العراقيين خالتي قالتي ان يو على الذبذبات وقالوا يبون عبدالله
عبدالله حزتها كان بغرفته وخالتي ما بغت تخرعه وتقول العراقيين يبون ياخذونك .. خافت ينط من دريشته ويقتلونه .. فقالت له " عبدالله خالك يعقوب يبيك "
طلع والا بغرفته جم عراقي وخذوه جدام امه ..!
وقبل لا يروحون الشي اللي صج يظحك مادري يبجي .. العراقي يسأل خالتي يبي سيارتها الـ بي ام .. !!
على قولتها ماخذ ولدي .. وما اعطيك السيارة ..!!
لي يومنا وتقول مادري شلون ربي خلاني قوية ذاك اليوم مايصير فيني شي .. عبدالله كان صغير حزتها خذوه وودوه العراق ..!
_________________
ببيتنا
ما اتذكر متى بس كل اللي اتذكره ان العراقيين دخلو على ديواينة البيت ..
شلنا كل صور واعلام الكويت .. ونسينا لوحة بالدوانية عليها شعار الكويت ..!
العراقي قاعد يتمقل في الصورة وبإيدينه المسدس اللي ينحط عالجتف من طوله ..!
امي قاعد تقرا وتدعي بصوت واطي ان ما يلمح العلم .. والله اتذكر ذاك اليوم كنت ياهل ويم امي مادري شقاعد اقول بس اي شي ان الله سبحانه يعمي عين العراقي عن الصورة ومايسوي شي حق امي وابوي !
والله قعد اشكثر مادري جم دقيقة وراح .. كأنه أحد قاله اسكت وما تعلم جماعتك
سبحانك يالله ..!
________________
يوم حرقت الآبار
يهال وما نعرف شي .. نقعد بره ونلعب بالمطر وكل همنا ان " وناسة ماكو روحه مدرسة "!
جسمنا ملطخ بقطرات النفط .. الكلينكس نحطه بخشمنا دقايق ونشيله والا الكلينكس كله رمادي من البترول !
امي تعصب علي " ليش انتي كله وسخه " .. اتذكر ان استغرب ليش ايدي وريولي صايرين سمر !
اروح اغسل ايديني بالصابون والا الرغوة صارت رمادية من الآبار اللي حوقوها واللي لوثت الجو !
كنت انا وعيال خالتي نستغرب من أن الكلينكس يصير رمادي بعد ما كان ابيض من قبل ساعه !
________________
مقتطفات
اللي اتذكره بالغزو
فانوس اللي يشتغل بالقاز .. مصابيح .. مكينه نشغل فيها الغسالات واللي مره توقف ومره تشتغل
اكلنا منتهي صلاحيته ..وصج ان الحمدلله ماعشنا بدون أكل و اي شي يسد يوعنا !
الخبز والماي أو ماي وتمر كان اكلنا .. وكنا نستانس لمن احد ييب لنا دياي او بيض مع خبز
ابوي مع رفيجه كانوا ييبون تناكر للفريج
من يوم دخلوا العراقيين ارضنا والطابق اللي فوق ما قمنا نقعد فيه كنا ننام يم الدري تحت خوفنا تحوشنا قنبله وينهدم البيت
ومعظم العوايل الكويتية تسويه جذيه
من نسمع صوت قنابل او طيايير امي تمسكني وتقعدني بالزاوية وتملني لين ما يروح الصوت
كان يوصل لنا منشورات واخبار ان راح نتحرر من العراقيين امي كانت توزعهم وكنا نخشهم بخيشة العيش وكانت امي تحط المنشورات داخل ملابسها لمن يصير تفتيش
كان ابوي يوصل العراقيين بسيارته .. كنا لاحول ولاقوة تلاقيهم بكل مكان .. بخط السريع ولا بالفريج وين مارحنه من يشوفون احد يقولك اوقف ووصلنا لي المكان الفلاني !
كان يوديهم ابوي للمكان اللي يبونه وانا وخواتي كنا قاعدين ورا واهم كانوا اثنين .. الثاني قعد يمنا .. اتذكر قال حق ابوي " هاي فريخاتك ..!" فيرخاتك يعني بالكويتي عيالك !
كان مسدسه طويل وحطاه يمنا وكنت اشوفه بخوف ليمن وداهم ابوي للمكان اللي يبونه بعدها قعدنا نظحك من الخوف وابوي يبتسم لنا .. كنا خايفين منهم !
_______________
يوم التحرير
اقوم الصبح من حلم ان عبد الله رد لنا .. اظاهر كانت رؤيه لأن نفس المشهد واهو يلم امي من بعد ما رد من الأسر!
سبحان الله .. لابس دشداشة البيت وشعره معفس .. والله لي الحين اتذكر!
خالي علي يقول حق امي" يايب لج هديه "
ولا عبدالله رد لنا من الاسر .. والله صعب المشهد اني اوصفه !
..
حتى كان تحريرنا واحتفالاتنا غير عن الحين .. اول الكي مستانس لا شباب ولا بنات
الكل فرحان و الابتسامة ما تفارق الكل
ابوي يكلم ناس لانعرفهم ولا يعرفونا بس اللي يشوفهم يقول ربع من عمر!
______________
مابعد الغزو
بعد يمكن عشر سنين ومثل هاليوم .. وقعدتنا يوم الخميس خالي يقول حق عبدالله " شنو صار لمن خذوك العراقيين للعراق ؟"
عبدالله يحط ايدينه بأذونه " بس خلاص ياجماعه صكروا السالفة !" يروح وخالي منصدم يقول حق خالتي " لي الحين ولدج يتذكر ..؟!"
خالتي تقول له " لي الحين ياعلي .. اللي شافه مو سهل .."
ولي يومكم مايحب يسولف وايد عن الغزو وشنو شافه اهناك
كل اللي قاله انه " كنا نظحك لمن نسمع احد يتعذب .." كانوا مستبعدين ان يردون الديره
ظفر عبدالله للي يشوفه يعرف ان كانوا يعذبونه .. يقول الظفر شالوه من عرجه .. وكان مقرر عليه الاعدام لليوم الثاني بس الله سبحانه كتب له عمر ان يعيش .. واليوم اللي بعده صادف تحرير الكويت
________________
بعد 13سنة من الغزو
كنت طالبه بجامعة الكويت رايحه مع اختي بقسم الدكاتره بكليه الاداب .. على باب واحد من الدكاتره معّلق بوستر مشهور للي عاش الغزو ..
كويتي يلم واحد من الامريكان من فرحه التحرير .. مكتوب على البوستر " اللي يعرف صاحب هالصورة الرجاء ابلاغنا ..!"
وليمن الحين مانسينا !
_______________
في يومنا هذا
لي يومكم من يصير عيد التحرير ماحب اطلع بره .. ذكرى التحرير كان له طعم ثاني للي عاش الظلم والحسرة
لمن يعيد لنا ذكرى التحرير انكر كل مظاهر التحرير للي نشوفه اليوم ومانطلع .. ابي ذكريات التحرير يوم 1991 راسخة بقلبي وعقلي
احتفل فيها بسوالف بين امي و ابوي وخواتي واهلي
" تذكرون ذاك اليوم ؟"
..
افتخر اني عشت بتراب ارضي
طفلة كنت لكن بشجاعه عن ألف رجل استمديت هالقوة من الله سبحانه
والكويت لنا وعمرنا ماكانت لغيرنا
وعمرنا ماراح ننسى ذاك اليوم
لم ولن ننسى
ولا ننسى وقفه بابا جابر
الله يرحمك يايبه .. ويرحم ابونا سعد
ويرحم شهدائنا ..
آمين يارب العالمين
والله لي يومكم لها خفقه بقلبي ودمعه كل ما اسمع
لك الحمد سبحانك على التحرير